-A +A
هدى أبلان
لم يكن متوقعا أن يحدث مشروع قانون المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية كل هذا اللغط وسوء الفهم بين طرفي العملية السياسية في اليمن، فبعد أن تم الاختلاف حوله في مراحل سابقة ورفع لرئيس الجمهورية لحسم النزاع، وبدوره أحاله إلى البرلمان، ليثير من جديد خلافا عاصفا كاد أن يهدد الوفاق الوطني في اليمن، كون المسألة أخذت لدى كل طرف اعتبارات مختلفة، يقف في طليعتها التراكمات النفسية التي علقت بكل طرف جراء الأزمة السياسية وإرهاصات مرحلة التغيير، وإحساس كل من هؤلاء بأنه ضحية الآخر وأنه قدم تنازلات ودفع الكثير من التضحيات، وأن هذه التسوية السياسية لا تعني إغلاق الملفات المتراكمة والشائكة أخلاقيا وسياسيا، وهذا جوهر إنساني لا يختلف عليه اثنان، والمطلوب هو المضي بالبلاد إلى الانفراج النفسي والسياسي والتشريع للمصالحة الوطنية بما يضمن حقوق المتضررين والضحايا وكرامتهم، ولا يضرب الوفاق الوطني في مقتل.
إنها معادلة صعبة لا تجدها إلا في اليمن هذا البلد الضاربة جذوره في حكمة عجيبة تتجلى عند المحطات العسيرة، واليمنيون الذين يجمعون بين تقاليد التسامح وعقلانية القانون وموضوعيته قادرون على اجتراح سابقة في المنطقة وفي مضارب النزاعات المتشابهة بالعمل على خلق حالة عالية من الوعي الجماعي بأهمية الإنصاف والوفاق على حد سواء.

ويبدو أن الرئيس اليمني قد أتقن مهارات إدارة هذه الخلافات والمماحكات والوصول بها إلى بر الأمان، وما سحب قانون المصالحة والعدالة الانتقالية إلا دليل على رؤيته العميقة في منح فرصة وطنية لالتقاط الأنفاس وإشباع القانون بمزيد من الرؤى والملاحظات التوافقية وكذا الحرص على عدم شق العصا بين الطرفين السياسيين اللذين يديران البلد منذ أكثر من عام في ظروف اقتصادية وسياسية صعبة، ليس لها من إشراقة أمل غير الالتفاف حول روح التسوية السياسية والوفاق الوطني والالتزام بإخراج اليمن من عنق الزجاجة إلى رحابة المستقبل.